فصل: الطَّرَفُ الْأَوَّلُ الْمَبْدَأُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.النَّوْعُ الْأَوَّلُ النُّسُكُ:

فَفِي الْكِتَابِ إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ فَكَلَّمَهُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَالَهُ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالْمَدْرَكُ إِمَّا لِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ الْعَادَةُ تُلْزِمُ أَحَدَهُمَا وَإِمَّا لِأَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِالْإِحْرَامِ بِأَحَدِهِمَا فَكَانَ الْفظ دَالًّا عَلَيْهِمَا بِالِالْتِزَامِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَإِحْرَامُهُ من الميقات لَا مِنْ مَوْضِعِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ النَّاذِرُ الْمَشْيَ إِنْ نَوَى حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ طَوَافًا أَوْ صَلَاةً لَزِمَهُ وَيَدْخُلُ مُحْرِمًا إِذَا نَوَى حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَإِنْ نَوَى طَوَافًا يُخَرَّجُ دُخُولُهُ مُحْرِمًا عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ دُخُولِهِ مَكَّةَ حَلَالًا وَنَاذِرُ السَّعْيَ وَحْدَهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ يَسْقُطُ نَذْرُهُ أَوْ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ لِأَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بِانْفِرَادِهِ فَيُصَحَّحُ نَذْرُهُ بِحَسَبَ الْإِمْكَانِ وَإِنْ نَوَى الْوُصُولَ خَاصَّةً مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ مُعْتَقِدًا عَدَمَ الْقُرْبَةِ فَتَكُونُ مَعْصِيَةً فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ الْمَشْيِ فِي عُمْرَةٍ أَوْ طَوَافٍ لِيُكَفِّرَ عَنْهُ فَإِنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ أَوْ بِقُرْبَةٍ بِدُونِ شَرْطِهَا كَصَلَاة الْحَائِض أَو جزئها كَصِيَامِ نِصْفِ يَوْمٍ مَعْصِيَةٌ لِأَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا صَحَّحْنَا نَذْرَهُ بِالتَّكْمِيلِ لِأَن الْقَاعِدَة أَن يصرف الْعَاقِل مَتَى دَارَ بَيْنَ الْإِلْغَاءِ وَالِاعْتِبَارِ وَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الِاعْتِبَارِ أَوْلَى صَوْنًا لِلْإِنْسَانِ عَنْ خُطَطِ الْفَسَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَشَى فِي حَجٍّ أَوْ عمْرَة لِأَنَّهَا عاداتهم فَقَامَ مَقَامَ الصَّرِيحِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ مَشَى فِي حَجٍّ لِأَنَّهُ عَادَتُهُمْ وَعَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي أَنَّ اللَّفْظَ يُحْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ عَلَى اللُّغَةِ دُونَ الْعُرْفِ يَسْقُطُ نَذْرُهُ لِأَنَّ الْمَشْيَ وَحْدَهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَرْعٌ فِي الْبَيَانِ إِذَا نَذَرَتِ الْمَرْأَةُ الْمَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا كَمَا يَمْنَعُهَا التَّطَوُّعَ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ عَلَيْهِ وَفِي الْكِتَابِ الْقَائِلُ عَلَيَّ الْمَشْيُ وَلَمْ يَقُلْ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ إِنْ نَوَى مَكَّةَ مَشَى وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فَلَا تتَعَيَّن الْقرْبَة إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَكَذَلِكَ السّفر أَوْ الِانْطِلَاقُ قَالَ اللَّخْمِيُّ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِيجَابِ بِالرُّكُوبِ وَأَوْجَبَ أَشْهَبُ بِهَذِهِ كُلِّهَا الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ وَالْقَائِلُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ هُوَ الْكَعْبَةُ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ لِاشْتِهَارِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَشْيُ إِلَّا مَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى مَكَّةَ أَوِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوِ الْكَعْبَةِ أَوِ الْحَجَرِ أَوِ الرُّكْنِ بِخِلَافِ الصَّفَا والمروة وَمنى وَذي طوى وَالْحرَام وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ جِبَالِ الْحَرَمِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى بُقْعَةٍ مِنَ الْحَرَمِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ رُكُوبٌ إِلَى مَكَّةَ فَأَلْزَمَهُ مَالِكٌ مَرَّةً وَلَمْ يُلْزِمْهُ أُخْرَى وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ الذَّهَابُ أَوِ السَّيْرُ أَو الانطلاق إِلَى مَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَأَلْزَمَهُ أَشْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي الْمَشْيِ إِلَى مَكَّةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِدَلَالَةِ جَمِيعِهَا عَلَى الْوُصُولِ إِلَى مَكَّةَ فَإِنْ حُمِلَ قَوْلُهُ عَلَى الْعَادَةِ وَتَأَخُّرِ الْوُصُولِ وَهُوَ فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِهَا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَقَالَ أَصْبَغُ يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا هُوَ فِي دَاخِلِ الْقَرْيَةِ كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْأَبْطُحِ وَالْحُجُونِ وَقُعَيْقِعَانَ وَأَبِي قُبَيْسٍ فَإِنَّهُ لَا وُصُولَ لِلْبَلَدِ إِلَّا بِالْإِحْرَامِ فَاعْتَبَرَ الدَّلَالَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ دُونَ الْعَادِيَّةِ وَقَالَ ابْن حبيب تلْزمهُ إِذَا سَمَّى الْحَرَمَ أَوْ مَا هُوَ فِيهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْقَرْيَةِ دُونَ مَا خَرَجَ عَنْهَا إِلَّا عَرَفَاتٍ لِأَنَّهُ مِنْ مَشَاعِرِ الْحَجِّ وَأَلْزَمَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْقَرْيَةِ دُونَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَهُمَا دَاخِلَانِ فِيهَا وَمِنَ الْمَشَاعِرِ وَأَلْزَمَهُ بِالْمَسْجِدِ دُونَ الْمقَام وَهُوَ دَاخل الْمَسْجِد قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ وَاسْتِلْزَامُ الْقَرْيَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَجَدَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عُرْفًا فِي زَمَانِهِ فَاعْتَبَرَهُ ثُمَّ زَالَ وَبَقِيَتِ الْفَتْوَى قَالَ اللَّخْمِيُّ وَنَاذِرُ الْمَشْيِ لَا يُجْزِئُهُ الرُّكُوبُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَنَاذِرُ الرُّكُوبِ لَا يُجْزِئُهُ الْمَشْيُ إِنْ قَصَدَ نَفَقَةَ مَالِهِ فِي الرُّكُوبِ وَإِلَّا أَجْزَأَ وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ أَوِ الذَّهَابُ أَوْ الِانْطِلَاقُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ فَرْعٌ فِي الْكِتَابِ الْقَائِلُ عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ وَإِنْ قَالَ إِنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ إِلَّا أَنْ يَتَضَمَّنَ نَذْرُهُ فِعْلًا نَحْوَ إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ لَا يَنْبَغِي الْخِلَافُ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى مَشِيئَةِ آدَمِيٍّ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَذَلِكَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ.
تَمْهِيدٌ:
اعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْكِتَابِ وَابْنِ يُونُسَ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ عَلَى الْمُحَصِّلِينَ فَضْلًا عَلَى المبتئدين وَمثل هَذِه الْحجَّة العمياء والداهية والدهياء قَوْلُ صَاحِبِ الْجَلَّابِ الْقَائِلُ إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ الْحَجُّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَكَلَّمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إِنْ أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى كَلَامِ زِيدٍ وَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى النَذْرِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ شَيْءٌ فَإِعَادَتُهُ عَلَى كَلَامِ زَيدٍ إِمَّا بِاعْتِبَارِ وَجُودِهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ عَدَمِهِ وَالْأَوَّلُ لَا يُسْقِطُ النَذْرَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِالْمَشِيئَةِ لَكَانَتْ مَعْلُومَةً فَإِنَّهُ مِنَ الْمحَال أَن يكلم زيدا إِلَّا بِالْمَشِيئَةِ وَالْمَعْلُومُ فِي حُكْمٍ إِذَا صُرِّحَ بِهِ لَا يُغَيِّرُ ذَلِكَ الْحُكْمَ وَالثَّانِي مَعْنَاهُ يَلْزَمُنِي الْحَجُّ عَلَى تَقْدِيرِ الْكَلَامِ إِنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى عَدَمَهُ وَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى عَدَمَهُ لَا يَقَعُ بِسَبَبِ عَدَمِ اللُّزُومِ وَالتَّقْدِيرُ وُقُوعُهُ فَيَتَنَاقَضُ قَوْلُهُ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ كَلَامَهُ لَا تَنَاقُضَ فِيهِ وَكَشْفُ الْغِطَاءِ عَنِ الْحَقِّ أَنْ يُقَالَ الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ قِسْمَانِ مِنْهَا مَا وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أصل شَرعه وام يَكِلْهُ إِلَى خِيرَةِ خَلْقِهِ كَالزَّوَالِ لِلظُّهْرِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِلصَّوْمِ وَمِنْهَا مَا فَوَّضَهُ لِخِيرَةِ عِبَادِهِ فَإِن شاؤا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ شُرُوطُ التَّعْلِيقِ فَمَنْ شَاءَ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِتَعْلِيقِهِ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَشَأْ يَكُنْ سَبَبًا فِي حَقِّهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ النُّذُورِ وَغَيْرُهَا وَكُلُّ سَبَبٍ مُفَوَّضٍ إِلَى الْعَبْدِ لَا يَصِيرُ سَبَبًا إِلَّا إِذَا جَزَمَ بِسَبَبِيَّتِهِ فَمَعْنَى عود الْمَشِيئَة على كَلَام زيد أَي لَا أَجْزم يجَعْلِهِ سَبَبًا إِلَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جَعْلَهُ سَبَبًا وَإِلَّا فَلَا وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ لِأَنَّهُ لم شَاءَ لَجَزَمَ الْعَبْدُ فَجَعَلَهُ سَبَبًا لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِسَبَبِيَّتِهِ إِلَّا ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَلَامُ زَيْدٍ سَبَبًا لَا يَلْزَمُ الْحَجُّ بِهِ أَمَّا إِذَا أَعَادَهُ عَلَى الْحَجِّ فَمَعْنَاهُ أَنِّي جَزَمْتُ بِجَعْلِهِ سَبَبًا فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَزِمَنِي الْحَجُّ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْكَلَامِ قُلْنَا لَهُ قد شَاءَ الله بِالضَّرُورَةِ أَنا نعلم أَن من أَرَادَهُ الله تَعَالَى لسَبَب حُكْمٍ فَقَدْ أَرَادَهُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ فَمَنْ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِصْدَارِ الصِّيغَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْبَيْعِ فَقَدْ أَرَادَهُ بَيْنَ نَقْلِ الْمِلْكِ بِالضَّرُورَةِ وَمَنْ أَرَادَهُ بِالسَّرِقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَقَدْ أَرَادَهُ بِاسْتِحْقَاقِ الْقَطْعِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَسْبَابِ وَالْأَحْكَامِ وَقَدْ صَحَّتْ فَجُعِلَ الْكَلَامُ سَبَبًا لِلْحَجِّ فَنَجْزِمُ نَحْنُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَكَ بِحُكْمِ هَذَا السَّبَبِ فَيَلْزَمُكَ الْحَجُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ إِلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَيْ جَزَمْتُ بِالِالْتِزَامِ وَإِنْ بَدَا لِي نقصته وَهُوَ إِذَا جَزَمَ فَلَا خِيرَةَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الِالْتِزَامَ سَبَبٌ وَلَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ خِيرَةٌ فِي إِبْطَالِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا فِي اقْتِطَاعِ مسبباتها ويهذا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيَّ الْحَجُّ إِنْ شَاءَ فُلَانٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ الِالْتِزَامُ بَلْ عَلَّقَ ذَلِكَ على شَرط وَلم يُعْلَمْ وُجُودُهُ إِلَى الْآنِ فَإِذَا وُجِدَ انْعَقَدَ السَّبَبُ فَلَوْ فَرَضْنَاهُ جَزَمَ بِاللُّزُومِ وَقَالَ إِنْ شَاءَ فُلَانٌ لَمْ يَلْزَمْنِي شَيْءٌ لَمْ يَنْفَعْهُ وَإِلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ أَشَارَ ابْنُ يُونُسَ فَهَذِهِ قَوَاعِد مجمع عَلَيْهَا عقلا ونقلا يخرج عَلَيْهَا كَلَامُهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَعَلَى هَذَا إِذَا قَالَ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ أَمْكَنَ انْتِفَاعُهُ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَعَدَمُ انْتِفَاعِهِ وَمَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أنَّ الْمَشِيئَةَ لَا تَنْفَعُ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ أَيْ فِي حَلِّ السَّبَبِ الْمُلْزَمِ كَمَا يُحِلُّ الْيَمِينُ فَلَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ أَمَّا إِذَا عَلَّقَ عَلَيْهَا سَبَبَيْةَ الْمُسَبّب فَيتَعَيَّن الْجَزْم بنفعها وان لَا يُخْتَلَفَ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ أَبَا الطَّاهِرِ قَالَ إِنَّ الْمَشِيئَةَ إِنْ عَادَتْ إِلَى الْفِعْلِ دُونَ الْيَمِينِ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَهُوَ يَتَّجِهُ إِذَا أَعَادَهَا عَلَى الْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِهِ حَتَّى يَكُونَ عُلِّقَ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ عَلَى تَقْدِيرِ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِعَدَمِهِ فَيَكُونُ مُحَالًا فيجزي فِيهِ الْخِلَافُ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ أَمَّا عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ فَلَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمَاتِ وَعَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ إِنَّ صَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْفِعْلِ لَا يَنْفَعُ دَرْكٌ عَظِيمٌ لِأَنَّهُ عُلِّقَ عَلَى صِفَةٍ مستحيلة وَهُوَ فعل مَا لَا يشاءه اللَّهُ تَعَالَى قَالَ وَالْأَصَحُّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ خِلَافُهُ وَإِذَا أَحَطْتَ بِهَذِهِ الْمَدَارِكِ أَمْكَنَكَ صَرْفُ كُلِّ فُتْيَا إِلَى مَدْرَكٍ يَلِيقُ بِهَا وَلَا يَشْكُلُ عَلَيْكَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ.
تَنْبِيهٌ:
قَوْلُ الْأَصْحَابِ التَّعْلِيقُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْلِيقٌ على مَشِيئَة من لَا نعلم مشئيته بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ آدَمِيٍّ هُوَ عَلَى الْعَكْسِ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِمَّا الْوُجُودُ وَإِمَّا الْعَدَمُ وَالْوَاقِعُ أَحَدُهُمَا بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِالضَّرُورَةِ فَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَعْلُومَةٌ بِالضَّرُورَةِ أَمَّا مَشِيئَةُ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا تُعْلَمُ بِإِخْبَارِهِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بَلِ الظَّنَّ فَعُلِمَ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى مَعْلُومَةٌ وَمَشِيئَةَ غَيْرِهِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَرْعٌ فِي الْكِتَابِ نَاذِرُ الْمَشْيِ حَافِيًا يَنْتَعِلُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْهَدْيُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى امْرَأَةً تَمْشِي حَافِيَةً نَاشِرَةً رَأسهَا فاستر مِنْهَا بِيَدِهِ وَقَالَ مَا شَأْنُهَا فَقَالُوا نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ حَافِيَةً نَاشِرَةً رَأْسَهَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فلتتخمر وَلْتَنْتَعِلْ وَلْتَمْشِ وَنَظَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَجُلٍ يمشي إِلَى الْكَعْبَة الْقَهْقَرِي فَقَالَ مرّة فَلْيَمْشِ لِوَجْهِهِ وَإِنْ قَالَ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا حَمَلْتُ فُلَانًا إِلَى الْبَيْتِ وَأَرَادَ التَّعَبَ بِحَمْلِهِ حَجَّ مَاشِيًا وَأَهْدَى وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِحْجَاجُ الرَّجُلِ وَإِلَّا حَجَّ رَاكِبًا وَأَحَجَّ الرَّجُلَ مَعَهُ وَلَا هَدْيَ فَإِنِ امْتَنَعَ الرَّجُلُ تَرَكَهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَأَنه نوى احجاج الرجل من مَاله فَلَيْسَ عليبه إِلَّا إِحْجَاجُهُ فَإِنِ امْتَنَعَ سَقَطَ النَذْرُ وَالنَّاذِرُ حمل عَمُود أَو غَيره إِلَى مَكَّة طلب الْمَشَقَّة يحجّ مَا شَاءَ غير حَامِل شَيْئا وَيهْدِي قَالَ ابْنُ يُونُسَ إِذَا أَرَادَ التَّعَبَ بِحَمْلِ الرَّجُلِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يُسْتَحَبُّ الْهَدْيُ كَهَدْيِ نَاذِرِ الحفا وَإِذَا لَمْ يُرِدْ حَمْلَهُ قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا إِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ إِذَا نَوَى ذَلِكَ ثمَّ إِذا تعين الْمَشْي فَالْكَلَام فِي مبدأه وَمُنْتَهَاهُ وَالْعَجْزُ عَنْهُ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ:

.الطَّرَفُ الْأَوَّلُ الْمَبْدَأُ:

وَفِي الْكِتَابِ يَمْشِي الْحَالِفُ مِنْ مَكَانَهُ حَلِفِهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ السَّبَبِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ وَإِنْ قَالَ إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ فَكَلَّمَهُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ إِلَّا إِلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ مِنْ حَيْثُ حِنْثِهِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ وَقْتَ حِنْثِهِ إِلَّا أَنْ تَبْعُدَ ارفقة وَيَخَافَ فَيُؤَخِّرَهَا حَتَّى يَجِدَ فَيُحْرِمَ وَيُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ مَوْضِعِهِ لَا مِنْ مِيقَاتِهِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ أَنَّ الميقات الْمَكَانِيَّ أَخَفُّ مِنَ الزَّمَانِيِّ وَتَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَلِذَلِكَ قَالَ يُؤَخر إِلَى الْأَشْهر دون الميقات الْمَكَانِيِّ وَالْقَائِلُ أَنَا مُحْرِمٌ يَوْمَ أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ فَهُوَ مُحْرِمٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَوْفِيَةً بِمُقْتَضَى الصِّيغَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ حَلَفَ بِمِصْرَ وَحَنِثَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى مِصْرَ حَتَّى يَمْشِيَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِذَا حَنِثَ بِبَلَدِ الْحَلِفِ فَلْيَمْشِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنْ حَنِثَ بِغَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَد ثمَّ يمشي فِيهِ مَا قدر ثمَّ يركب وَيهْدِي قَالَ أَصْبَغُ إِنْ كَانَ قَرِيبًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ مَضَرَّةٌ رَجَعَ وَإِلَّا مَشَى مِنْ حَيْثُ حَنِثَ وَأَهْدَى قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي طَرِيقٍ أَخْصَرَ مِنْ طَرِيقٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنِ انْتَقَلَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ مِثْلَهُ فِي الْمَسَافَةِ مَشَى مِنْهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَدَدُ الْخُطَى فِي الْقُرْبَةِ فَإِنِ انْتَقَلَ إِلَى أَقْرَبَ مِنْهُ بِالْيَسِيرِ فَقِيلَ يُجْزِئُهُ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ يُهْدِي هَدْيًا وَيُجْزِئُهُ وَإِنْ كَثُرَ الْبُعْدُ لَمْ يُجْزِهِ وَإِذَا قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ بِهَا خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ وَأَتَى بِعُمْرَةٍ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَوَائِلُ الْحِلِّ وَالْقَائِلُ عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ بِمَكَّةَ مَشَى إِلَى الْمَسْجِدِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَقَالَ مَرَّةً يَخْرُجُ إِلَى الْحِلِّ وَإِنْ قَالَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى مَكَّةَ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ وَدَخَلَ بِعُمْرَةٍ وَقَالَ سَحْنُونٌ إِذَا قَالَ فَأَنَا مُحْرِمٌ فَهُوَ مُحْرِمٌ بِنَفْسِ الْحِنْثِ وَهُوَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَإِنْ قَالَ أَنَا أُحْرِمُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْحِنْثِ حَتَّى يُحْرِمَ وَقَالَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ صُحْبَةً وَالْقَائِل أَنا محرم يَوْم ُأكَلِّمهُ وَلَا يكون محرما بِمُضِيِّ ذَلِك الْيَوْم وَيجْرِي فِيهِ الْخلاف بَين مَالك وَسَحْنُون وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ الْحَالِفُ بِصِقِلِّيَةَ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ أَقْرَبِ الْبَرِّ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ وَهُوَ بَيِّنٌ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ فِي حَلِفِهِمْ وَقِيلَ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يأْتونَ افريقية للتجر وَقَوْلُهُ لَا يُحْرِمُ حَتَّى تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ يَصِلُ أَمَّا الْبَلَدُ الْبَعِيدُ فَيُحْرِمُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ فِيهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَابِسِيِّ يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَيُحْرِمُ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ وَالْأَوَّلُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجَّةٍ.

.الطَّرَفُ الثَّانِي نِهَايَةُ الْمَشْيِ:

فَفِي الْكِتَابِ يَمْشِي فِي الْعُمْرَةِ حَتَّى يَسْعَى وَإِنْ رَكَبَ بَعْدَ السَّعْيِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي الْحَجِّ إِلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَالَهُ ش لِفَرَاغِ أَرْكَانِ النُّسُكَيْنِ وَلَهُ الرُّكُوبُ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنًى وَفِي رَمْيِ الْجِمَارِ بِمِنًى وَإِنْ أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَلَا يَرْكَبُ فِي الرَّمْيِ لِبَقَاءِ رُكْنِ الْحَجِّ وَلَهُ الرُّكُوبُ فِي حَوَائِجِهِ كَمَا يَرْكَبُ فِي الْمَدِينَةِ فَإِنَّ الْمَشْيَ إِنَّمَا هُوَ قُرْبَةٌ فِي آخِرِ الْعِبَادَةِ وَإِذَا ذَكَرَ حَاجَةً نَسِيَهَا رَكِبَ فِي رُجُوعه لَهَا وَيَرْكَبُ فِي الْمَنَاهِلِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ لَا يَنْتَهِي مَشْيُهُ إِذَا انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ وَهُوَ إِنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْمَشْيَ إِلَى الْبَيْتِ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي الْهَدْيِ {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} الْحَج 33 وَمَحِلُّهَا فِي الْحَجِّ مِنًى.

.الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي الْعَجْزِ عَنِ الْمَشْيِ:

فَفِي الْكِتَابِ يَرْكَبُ فِيمَا عَجَزَ فَإِذَا اسْتَرَاحَ نَزَلَ ثُمَّ يَمْشِي ثَانِيًا فِيمَا رَكِبَ فَقَطْ وَيُهْدِي لِتَفْرِيقِ الْمَشْيِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْحَرُ بَدَنَةً فَإِنْ عَجَزَ عَمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَشْيِ ثَانِيًا لم يعد ثَالِثَة وَأهْدى وَلم عَلِمَ فِي الثَّانِيَةِ عَجْزَهُ عَنِ الْمَشْيِ قَعَدَ وَأَجْزَأَهُ الْهَدْيُ فَإِنْ عَلِمَ عَجْزَهُ ابْتِدَاءً فَإِنْ كَانَ شَيخا وَمنا أَوِ امْرَأَةً ضَعِيفَةً أَوْ مَرِيضًا أَيِسَ مِنَ الْبُرْءِ خَرَجَ رَاكِبًا وَمَشَى وَلَوْ نِصْفَ مِيلٍ وأجزأه مَعَ الْهَدْيِ بَعْدَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا رَجَا الْمَرِيضُ قُدْرَةً عَلَى الْمَشْيِ انْتَظَرَهَا وَإِذَا مَشَى حَجَّهُ كُلَّهُ وَرَكِبَ فِي الْإِفَاضَةِ أَوْ رَكِبَ الْأَمْيَالَ لِمَرَضٍ لَمْ يُعِدْ ثَانِيَةً وَأَهْدَى وَلَوْ مَشَى السَّعْيَ فَقَطْ قَضَى مَشْيَهُ قَابِلًا فِيمَا رَكِبَهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّهُ رُكُوبٌ كَثِيرٌ وَلِأَنَّ رُكُوبَهُ فِي مَوَاضِعِ الْحَجِّ أَسْهَلُ مِمَّنْ رَكِبَ فِي الطَّرِيقِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ قَالَ مَالك وَيهْدِي أحب لي مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ الْهَدْيَ مِثْلَ مَنْ عَجَزَ فِي الطَّرِيقِ عَجْزًا يُوجِبُ الرُّجُوعَ لِأَنَّهُ بَلَغَ مَكَّةَ وَطَافَ وَتَمَّ مَشْيُهُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ وَفِي الْكِتَابِ يَرَى عَلَيْهِ الْهَدْيَ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ وَلَهُ جَعْلُ مَشْيِهِ الثَّانِي فِي عير مَا مَشَى فِيهِ أَوَّلًا إِنْ أَبْهَمَ نَذْرَهُ وَإِلَّا فَفِي مِثْلِ الْأَوَّلِ لِتَعْيِينِهِ وَلَا يَجْعَلُ الْأَوَّلَ وَلَا الثَّانِيَ فِي فَرِيضَةٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا مَشَى الطَّرِيقَ كُلَّهُ فِي عَوْدِهِ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ مَشْيَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ رَكِبَ ليقص الطَّرِيقَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَهْدَى بِخِلَافِ الْعُذْرِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ صِيَامِ التَّتَابُعِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِلِ الْمَشْيَ الْمُتَتَابِعَ أَجْزَأَهُ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْعِبَادَةَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَمَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ يَمْشِي ثَانِيًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ إِذَا كَانَتْ يَمِينُهُ مُطْلَقَةً لِأَنَّ رُجُوعَهُ لِنَذْرِهِ لَا لِمَا شَرَعَ فِيهِ قَالَ ابْن حبيب وَالْهَدْي هَا هُنَا بَدَنَة فَإِن لم يجد فبقرة فَإِن لم يَجِدْ فَشَاةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مَتَى شَاءَ وَتُجْزِئُ شَاةٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَشْيُ نِصْفَ الطَّرِيقِ فَأَكْثَرَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَمْشِي الطَّرِيقَ كُلَّهُ وَنَحْوُهُ لِمَالِكٍ وَإِنْ كَانَ نَذْرُهُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ نَحْوَ مِصْرَ فَلِمَالِكٍ فِي رُجُوعه قَولَانِ قَالَ وَعدم الْعَوْدِ أَحْسَنُ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنَ الْمَغْرِبِ لَمْ يَعُدْ بِحَالٍ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَضْمُونِ أَمَّا عَامُ تَعَيُّنِهِ فَلَا يَقْضِي وَلَوْ مَرِضَهُ كُلَّهُ وَإِنْ حَضَرَ خُرُوجَ الْحَاجِّ وَهُوَ فِي الْقُرْبِ مِثْلَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَرِيضٌ خَرَجَ رَاكِبًا وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا أَخَّرَ لِعَامٍ آخَرَ وَلَوْ نَوَى الْمَرِيضُ أَنْ يَمْشِيَ قُدْرَتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَكَذَلِكَ الشَّابُّ الضَّعِيفُ الْقُوَّةِ وَالْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ الَّتِي مَشْيُهَا عَوْرَةٌ تَمْشِي الْأَمْيَالَ عُزْلَةً عَنِ النَّاسِ ثُمَّ تَرْكَبُ وَتُهْدِي وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُ جَعْلُ الْمَشْيِ الثَّانِي فِي حَجٍّ إِذَا نَوَى الْأَوَّلَ فِي عُمْرَةٍ لِانْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ فَرْعٌ فِي الْكِتَابِ النَّاذِرُ مِنَ الْمَشْيِ مَا لَا يَبْلُغُهُ عُمُرُهُ يَمْشِي مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} التغابن 16 قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا إِنْ عَجَزَ هَذَا وَرَكَبَ لَا يَرْجِعُ ثَانِيَةً لِأَجْلِ ركُوبه وَعَلِيهِ الْهَدْي لذَلِك لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنَ النَذْرِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَعَلَّهُ يُرِيدُ إِنْ لَمْ يَرْكَبْ أَوَّلًا فِي حَجَّتِهِ فِي الْمَنَاسِكِ وَلَوْ رَكِبَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فِي حجه الأول كَيفَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَةَ فِي عُمْرَةٍ وَهُوَ لَا يَصِلُ أَنْ يَمْشِيَ مَا رَكِبَ وَعَنْ سَحْنُونٍ لَا يَجْعَلُ الثَّانِيَةَ فِي عُمْرَةٍ لِأَنَّهَا أقصر من عمل الْحَج يُرِيد إِن كَانَ مَشْيه فِي غير الْمَنَاسِك فرع فِي الْكِتَابِ إِذَا نَوَى بِحَجِّهِ فَرْضَهُ وَنَذْرَهُ أَجْزَأَهُ لِنَذْرِهِ وَقَضَى فَرْضَهُ أَوْ قَارِنًا الْعُمْرَةَ لِنَذْرِهِ وَالْحَجَّ لِفَرْضِهِ لَمْ يُجْزِهِ مِنَ الْفَرْضِ وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَلِمَالِكٍ فِي الْقَارِن يجزيء فِي النَذْرِ وَيَقْضِي الْفَرْضَ لِقُوَّتِهِ وَلَهُ أَيْضًا لَا يجزيء عَنْهُمَا للتشريك قَالَ وَأرى أَن يجزيء عَنْهُمَا لِأَن الْقرَان لَا يحل بفريضة الْإِسْلَام وكل مَا جَازَ تَطَوّعا حَاز وَفَاءُ النَذْرِ بِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُفْرِدِ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ يَنْوِي بِنَذْرِهِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَأَمَّا إِذَا نوى فَلَا يجزيء عَنْهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ مَشَى بِحَجٍّ لِنَذْرِهِ فَفَاتَهُ لَمْ تُجْزِئْهُ عُمْرَةُ التَّحَلُّلِ عَنْ مَشْيِهِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ حَجَّةٍ وَهُمَا حَجَّتَانِ أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْوِ فَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ يُجْزِئُهُ لِنَذْرِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُعِيدُهُمَا جَمِيعًا اسْتِحْسَانًا وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يُجْزِئُهُ عَنِ الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ الْعَمَلِ وَيُعِيدُ النَّذْرَ قَالَ مُحَمَّدٌ فَلَوْ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةِ الْحَجِّ وَنَوَى مَشْيَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ إِلَّا بِنَذْرٍ قَالَ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ بِنَافِلَةٍ يَنْوِي قِيَامَهَا فَلَهُ صَلَاتُهَا جَالِسًا وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى قراة سُورَة طَوِيلَة.